كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقولوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)}.
قوله: {لِتَسْتَوُواْ}: يجوزُ أَنْ تكونَ هذه لامَ العلة وهو الظاهرُ، وأن تكونَ للصيرورة، فتُعَلَّقَ في كليهما بـ: (جَعَل). وجَوَّز ابنُ عطيةَ أَنْ تكونَ للأمر، وفيه بُعْدٌ لقلَّة دخولها على أمر المخاطب. قرئ شاذًا (فَلْتَفْرحوا) وفي الحديث: «لِتَأْخُذوا مصافَّكم» وقال:
لِتَقُمْ أنت يا بنَ خيرِ قُرَيْشٍ ** فَتُقَضَّى حوائجُ المُسْلمينا

نصَّ النحويون على قلِتَّها، ما عدا أبا القاسِم الزجاجيَّ فإنه جَعَلها لغةً جيدة.
قوله: {على ظُهورِه} الضميرُ يعودُ على لفظِ {ما تَرْكَبون}، فَجَمَعَ الظهورَ باعتبارِ معناها، وأفرد الضميرَ باعتبار لفظِها.
قوله: {له مُقْرِنين} {له} متعلق بـ: {مُقْرِنين} قُدِّمَ للفواصل. والمُقْرِنُ: المُطيق للشيء الضابطُ له، مِنْ أَقْرنه أي: أطاقه. والقَرَن الحَبْلُ. قال ابن هَرْمة:
وأَقْرَنْتُ ما حَمَّلْتِني ولَقَلَّما ** يُطاق احتمالُ الصَّدِّ يا دعدُ والهَجْرِ

وقال عمرو بن معد يكرب:
لقد عَلِمَ القبائلُ ما عُقَيْلٌ ** لنا في النائباتِ بمُقْرِنينا

وحقيقة أَقْرَنَه: وجده قَرينَه، لأنَّ الصعب لا يكون قرينَةَ الضعيفِ. قال:
وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ** لم يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعيسِ

وقرئ {مُقْتَرنين} بالتاء قبل الراء.
{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)}.
قوله: {جُزْءًا}: مفعولٌ أولُ للجَعْل، والجَعْلُ تصييرٌ قوليٌّ. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى: سَمَّوا واعتقدوا. وأغربُ ما قيل هنا أنَّ الجُزْء الأنثى. وأنشَدوا:
إنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يومًا فلا عَجَبٌ ** قد تُجْزِئُ الحُرَّةُ المِذْكارُ أحيانًا

وقال آخر:
زُوِّجْتُها مِنْ بنات الأَوْسِ مُجْزِئَةً

قال الزمخشري: وأثرُ الصنعةِ فيهما ظاهرٌ.
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)}.
قوله: {وَأَصْفَاكُم}: يجوزُ أَنْ يكون داخلًا في حَيِّزِ الإِنكار معطوفًا على اتَّخذ. ويجوزُ أَنْ يكونَ حالًا أي: أم اتَّخذ في هذه الحالةِ و(قد) مقدرةٌ عند الجمهور. وقد تقدَّم نظيرُ:
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)}.
قوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم}. وقرئ هنا {وجهُه مُسْوَدٌّ} برفع {مُسْوَدٌّ} على أنها جملةٌ في موضعِ خبرِ {ظَلَّ}. واسمُ {ظَلَّ} ضميرُ الشأن.
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}.
قوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ}: يجوزُ في {مَنْ} وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ في محلِّ نصبٍ مفعولًا بفعلٍ مقدر أي: أو يجعلون مَنْ يُنَشَّأُ في الحِلْية. والثاني: أنه مبتدأ وخبرُه محذوفٌ، تقديره: أو من يُنَشَّأ جزءٌ أو ولدٌ؛ إذ جعلوه لله جزءًا. وقرأ العامَّةُ {يَنْشَأ} بفتح الياء وسكون النون مِنْ نَشَأَ في كذا يَنْشأ فيه. والأخوان وحفص بضم الياء وفتحِ النون وتشديدِ الشينِ مبنيًا للمفعولِ أي: يُرَبَّى. وقرأ الجحدريُّ كذلك، إلاَّ أنَّه خَفَّف الشينَ، أَخَذَه مِنْ أنشأه. والحسن {يُناشَأُ} كـ: يُقاتَل مبنيًا للمفعول. والمفاعَلَةُ تأتي بمعنى الأفعال كالمُعالاة بمعنى الإِعلاء.
قوله: {وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} الجملةُ حال. و{في الخصام} يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه ما بعده. تقديره: وهو لا يَبين في الخصام. ويجوز أَنْ يتعلَّق بـ: {مُبين} وجاز للمضافِ إليه أن يعملَ فيما قبل المضافِ؛ لأن {غيرَ} بمعنى (لا). وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في آخر الفاتحة وما أنشدْتُه عليه وما في المسألةِ من الخلاف.
{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)}.
قوله: {عِبَادُ الرحمن}: قرأ نافع وابن كثير وابن عامر {عند الرحمن} ظرفًا. والباقون {عبادَ} جمع عَبْد، والرسمُ يحتملهما. وقرأ الأعمش كذلك إلاَّ أنه نصبَ {عبادَ} على إضمارِ فعلٍ: الذين هم خُلِقوا عبادًا ونحوِه. وقرأ عبدُ الله وكذلك هي في مصحفه {الملائكةَ عبادَ الرحمن}. وأُبَيٌّ وعبد الرحمن بالإِفراد. و{إناثًا} هو المفعولُ الثاني للجَعْلِ بمعنى الاعتقادِ أو التصيير القولي. وقرأ زيدُ بنُ علي {أُنُثا} جمعَ الجمع.
قوله: {أشَهِدُوا} قرأ نافعٌ بهمزةٍ مفتوحة، ثم بأخرى مضمومةٍ مُسَهلةٍ بينها وبين الواو وسكونِ الشينِ. وقرأ قالون بالمدِّ يعني بإدخال ألفٍ بين الهمزتين والقصرِ، يعني بعدمِ الألف. والباقون بفتح الشين بعد همزة واحدة. فنافع أدخل همزةَ التوبيخ على أُشْهِدوا فعلًا رباعيًا مبنيًَّا للمفعول، فسَهَّلَ همزتَه الثانيةَ، وأدخل ألفًا بينهما كراهةً لاجتماعهما، وتارة لم يُدْخِلْها، اكتفاءً بتسهيل الثانية، وهي أوجهُ. والباقون أدخلوا همزةَ الإِنكار على {شهدوا} ثلاثيًا، والشهادةُ هنا الحضورُ. ولم يَنْقُلِ الشيخُ عن نافع تسهيلَ الثانيةِ بل نَقَله عن علي بن أبي طالب.
وقرأ الزهريُّ {أُشْهِدُوا} رباعيًا مبنيًا للمفعول. وفيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يكونَ حَذَفَ الهمزةَ لدلالةِ القراءة الأخرى، كما تقدَّم في قراءة {أعجميٌّ}. والثاني: أَنْ تكونَ الجملةُ خبريةً وقعَتْ صفةً لـ: {إناثًا} أي: أجعلوهم إناثًا مَشْهودًا خَلْقُهم كذلك؟
قوله: {سَتُكْتَبُ شهادتُهم} قرأ العامَّةُ {سَتُكْتَبُ} بالتاءِ مِنْ فوقُ مبنيًا للمفعول، {شهادتُهم} بالرفع لقيامه مَقامَ الفاعل. وقرأ الحسن {شهاداتُهم} بالجمع، والزهري: {سَيَكتب} بالياء مِنْ تحت وهو في الباقي كالعامَّة. وابن عباس وزيد بن علي وأبو جعفر وأبو حيوةَ {سنكتبُ} بالنون للعظمة، {شهادتَهم} بالنصب مفعولًا به.
{بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)}.
قوله: {على أُمَّةٍ}: العامَّةُ على ضم الهمزة، بمعنى الطريقة والدين. قال قيس بن الخطيم:
كُنَّا على أمةِ آبائِنا ** ويَقْتدي بالأولِ الآخِرُ

أي: على طريقتهم. وقال آخر:
وهل يَسْتوي ذو أُمَّةٍ وكَفورُ

أي: ذو دين. وقرأ مجاهد وقتادة وعمر بن عبد العزيز بالكسر قال الجوهري: هي الطريقةُ الحسنةُ لغةً في أُمَّة بالضم. وابن عباس بالفتح، وهي المَرَّةُ من الأَمّ، والمرادُ بها القصدُ والحال.
{قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قالوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)}.
قوله: {قال}: قرأ ابن عامر وحفصٌ {قال} ماضيًا مكان (قل) أمرًا أي: قال النذير، أو الرسول وهو النبي صلى الله عليه وسلم. والأمر في (قل) يجوز أَنْ يكونَ للنذير أو للرسول وهو الظاهر. وقرأ أبو جعفر وشيبة {جِئْناكم} بنون المتكلمين.
{وَإِذْ قال إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)}.
قوله: {بَرَاءٌ}: العامَّةُ على فتحِ الباءِ وألفٍ وهمزةٍ بعد الراء. وهو مصدرٌ في الأصل وقع موقعَ الصفةِ وهي بَريْء، وبها قرأ الأعمش ولا يُثَنَّى {براء} ولا يُجْمع ولا يُؤَنث كالمصادر في الغالب. والزعفراني وابن المنادي عن نافع بضم الباء بزنة طُوال وكُرام. يقال: طَويل وطُوال وبَريء وبُراء. وقرأ الأعمش {إنِّي} بنونٍ واحدة.
{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)}.
قوله: {إِلاَّ الذي فَطَرَنِي}: فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنه استثناءٌ منقطع؛ لأنَّهم كانوا عبدةَ أصنامٍ فقط. والثاني: أنه متصلٌ؛ لأنه رُوِي أنهم كانوا يُشْرِكون مع الباري غيرَه.
الثالث: أَنْ يكونَ مجرورًا بدلًا مِنْ (ما) الموصولة في قوله: {ممَّا تعبدُون} قاله الزمخشريُّ. ورَدَّه الشيخ: بأنه لا يجوزُ إلاَّ في نفيٍ أو شبهه قال: وغَرَّه كونُ براء في معنى النفي، ولا ينفعه ذلك لأنه موجَبٌ. قلت: قد تأوَّل النحاةُ ذلك في مواضعَ من القرآن كقوله تعالى: {ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ} [التوبة: 32] {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} [البقرة: 45] والاستثناء المفرغُ لا يكونُ في إيجاب، ولكن لَمَّا كان {يأبى} بمعنى: لا يفعلُ، وإنها لكبيرة بمعنى: لا تَسْهُلُ ولا تَخِفُّ ساغ ذلك، فهذا مثلُه.
الرابع: أَنْ تكونَ {إلاَّ} صفةً بمعنى (غير) على أن تكونَ (ما) نكرةً موصوفةً، قاله الزمخشريُّ قال الشيخ: وإنما أخرجها في هذا الوجهِ عن كونِها موصولةً؛ لأنَّه يرى أنَّ {إلاَّ} بمعنى (غير) لا يُوْصَفُ بها إلاَّ النكرة. وفيها خلافٌ. فعلى هذا يجوزُ أَنْ تكونَ (ما) موصولةً و{إلاَّ} بمعنى (غير) صفةً لها.
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)}.
قوله: {وَجَعَلَهَا}: الضميرُ المرفوعُ لإِبراهيمَ عليه السلام- وهو الظاهرُ- أو لله. والمنصوبُ لكلمة التوحيد المفهومةِ مِنْ قوله: {إنني بَراءٌ} إلى آخره، أو لأنَّها بمنزلةِ الكلمة، فعاد الضمير على ذلك اللفظِ لأجل المَعْنِيِّ به.
وقرئ {في عَقْبِه} بسكون القافِ. وقرئ {في عاقِبه} أي: وارِثه. وحميد بن قيس {كلمة} بكسر الكاف وسكون اللام.
{بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)}.
والجمهورُ على {مَتَّعْتُ} بتاء المتكلم. وقتادةُ والأعمش بفتحِها للمخاطبِ، خاطبَ إبراهيمُ أو محمدٌ صلى الله عليه وسلم ربَّه تعالى بذلك. وبها قرأ نافعٌ في روايةِ يعقوبَ. والأعمش أيضًا {بل مَتَّعْنا} بنون العظمة.
{وَقالوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القرآن عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)}.
قوله: {مِّنَ القريتين}: فيه حَذْفُ مضافٍ فقدَّره بعضُهم: من رَجُلَيْ القريَتَيْن. وقيل: من إحدى القريَتَيْن. والرجلان: الوليد ابن المغيرة وكان بمكة، وعروة بن مسعود الثقفي، وكان بالطائف. وقيل: كان يتردَّدُ بين القريتين فنُسب إلى كلتيهما. وقرئ {رَجْل} بسكون العين وهي تميمةٌ.
وقد مضى الكلامُ في {سُخْرِيَّا} في المؤمنين. وقرأ بالكسر هنا عمرو بن ميمون وابن محيصن وأبو رجاء وابن أبي ليلى والوليد بن مسلم وخلائق، بمعنى المشهورة، وهو الاستخدام. ويَبْعُدُ قول بعضِهم: إنه استهزاء الغني بالفقير.
{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)}.
قوله: {لِبُيُوتِهِمْ}: بدلُ اشتمالٍ بإعادةِ العاملِ. واللامان للاختصاص. وقال ابنُ عطية: الأُوْلى للمِلْك، والثانية للتخصيص. ورَدَّه الشيخ: بأنَّ الثاني بدلٌ فيُشترط أَنْ يكونَ الحرفُ متحدَ المعنى لا مختلفَه. وقال الزمخشري: ويجوزُ أَنْ يكونا بمنزلة اللامَيْن في قولك: (وَهَبْتُ له ثوبًا لقميصِه). قال الشيخ ولا أدري ما أراد بقوله هذا؟ قلت: أراد بذلك أن اللامَيْن للعلة أي: كانت الهِبَةُ لأجلك لأجلِ قميصِك، فـ: (لقميصك) بدلُ اشتمالٍ بإعادة العاملِ بعينه، وقد نُقِلَ أنَّ قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} [الأنعام: 84] أنها للعلة.
قوله: {سُقُفا} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح السين وسكون القاف بالإِفراد على إرادةِ الجنسِ. والباقون بضمتين على الجمعِ كرُهُن في جمع رَهْن. وفي {رُهُن} تأويلٌ لا يمكنُ هنا: وهو أَنْ يكونَ جَمْعَ {رِهان} جَمْعَ رَهْن؛ لأنه لم يُسْمَعْ سِقاف جمع سَقْف. وعن الفراء أنه جمع سقيفة فيكون كصحيفة وصُحُف. وقرئ {سَقَفًا} بفتحتين لغةً في سَقْف، و{سُقوفًا} بزنة فَلْس وفُلوس. وأبو رجاء بضمة وسكون.
و{مِنْ فِضَّة} يجوز أن يتعلَّق بالجعل، وأن يتعلق بمحذوف صفة لسُقُف. وقرأ العامَّة {معارِجَ} جمع مَعْرَج وهو السُّلَّم. وطلحة {معاريج} جمع مِعْراج، وهذا كمفاتِح لمَفْتَح، ومفاتيح لمفتاح.
{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34)}.
قوله: {وَسُرُرًا}: جمع سَرير. والعامَّةُ على ضم الراء. وقرئ بفتحها وهي لغةُ بعض تميم وكلب. وقد تقدَّم أنَّ فعيلًا المضعَّفَ تفتحُ عينُه إذا كان اسمًا أو صفةً نحو: ثوب جَديد وثياب جُدَد، وفيه كلامٌ للنحاة. وهل قوله: {مِنْ فضة} شاملٌ للمعارج والأبواب والسُّرُر؟ فقال الزمخشري: نعم، كأنه يرى تشريكَ المعطوف مع المعطوف عليه في قيودِه. و{عليها يَتَّكئون} و{عليها يَظْهَرون} صفتان لِما قَبْلَهما.
{وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)}.
قوله: {وَزُخْرُفًا}: يجوز أَنْ يكونَ منصوبًا بـ: جَعَلَ أي: وجَعَلْنا لهم زخرفا. وجوَّز الزمخشري أن ينتصبَ عطفًا على محلِّ {مِنْ فضة} كأنه قيل: سُقُفًا من فضةٍ وذَهَبٍ أي: بعضُها كذا، وبعضها كذا.
وقد تقدَّم الخلافُ في {لَمَّا} تخفيفًا وتشديدًا في سورة هود، وقرأ أبو رجاء وأبو حيوةَ {لِما} بكسر اللام على أنها لامُ العلةِ دَخَلَتْ على (ما) الموصولة وحُذِفَ عائدُها، وإنْ لم تَطُل الصلةُ. والأصل: الذي هو متاعٌ كقوله: {تَمَامًا عَلَى الذي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] برفع النون. و(إن) هي المخففةُ من الثقيلة، و{كل} مبتدأ، والجارُّ بعده خبرُه أي: وإن كل ما تقدَّم ذِكْرُه كائن للذي هو متاعُ الحياة، وكان الوجهُ أن تدخُلَ اللامُ الفارقة لعدم إعمالِها، إلاَّ أنَّها لما دَلَّ الدليلُ على الإِثباتِ جاز حَذْفُها كما حَذَفها الشاعرُ في قوله:
أنا ابنُ أباةِ الضَّيْم مِنْ آلِ مالكٍ ** وإنْ مالكٌ كانَتْ كرامَ المعادنِ

{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)}.
قوله: {وَمَن يَعْشُ}: العامَّة على ضم الشين مِن عشا يعشو أي: يتعامى ويتجاهل. وقتادة ويحيى بن سلام {يَعْشَ} بفتحها بمعنى يَعْمَ. وزيد بن علي {يَعْشو} بإثبات الواو. قال الزمخشري: على أنّ {مَنْ} موصولة وحَقُّ هذا أن يقرأ نقيضُ بالرفع. قال الشيخ: ولا تتعيَّنُ موصوليتُها بل تُخَرَّج على وجهين: إمَّا تقديرِ حذفِ حركةِ حرفِ العِلة، وقد حكاها الأخفش لغةً، وتقدَّم منه في سورةِ يوسفَ شواهدُ، وإمَّا على أنه جزمٌ بـ: {مَنْ} الموصولة تشبيهًا لها بـ: (مَنْ) الشرطيةِ. قال: وإذا كانوا قد جَزَموا بـ: (الذي)، وليس بشرطٍ قط فأَوْلَى بما اسْتُعْمِلَ شرطًا وغيرَ شرطٍ. وأنشد:
ولا تَحْفِرَنْ بِئْرًا تُريد أخًا بها ** فإنّك فيها أنت مِنْ دونِه تقَعْ

كذاكَ الذي يَبْغي على الناسِ ظالمًا ** يُصِبْه على رَغْمٍ عواقبُ ما صَنَعْ

قال: وهو مذهبُ الكوفيين، وله وَجْهٌ من القياسِ: وهو أنَّ (الذي) أَشْبَهَتْ اسمَ الشرطِ في دخولِ الفاءِ في خبرِها، فتُشْبِهُ اسمَ الشرطِ في الجزم أيضًا. إلاَّ أنَّ دخولَ الفاءِ منقاسٌ بشرطِه، وهذا لا ينقاسُ.
ويقال: عَشا يَعْشُو، وعَشِي يَعْشَى. فبعضُهم جعلهما بمعنىً، وبعضُهم فَرَّقَ: بأنَّ عَشِيَ يَعْشَى إذا حَصَلَتْ الآفَةُ من بَصَرَه، وأصلُه الواوُ وإنما قُلِبَتْ ياءً لانكسارِ ما قبلها كرضِيَ يَرْضى وعَشَا يَعْشُو أي: تفاعَل ذلك. ونَظَرَ نَظَرَ العَشِي ولا آفَةَ ببصرِه، كما قالوا: عَرَجَ لمَنْ به آفةُ العَرَجِ، وعَرُجَ لمَنْ تعارَجَ، ومَشَى مِشْيَةَ العُرْجان. قال الشاعر:
أَعْشُو إذا ما جارتي بَرَزَتْ ** حتى يُوارِيْ جارتي الخِدْرُ

أي: أنظرُ نَظَرَ الَعَشِي. وقال آخر: